لماذا أقدمت السعودية على إعدام الشيخ نمر باقر النمر الآن؟
سؤالٌ بقيت أجوبته تصبّ في إطار التكهنات أمام حديث الرياض عن أنه أمر قضائي داخلي سعودي. الموافقة الملكية على قرار بحجم تنفيذ حكم الإعدام لم يكن ليتم لولا جملة معطيات سعودية في لحظة ضعف دولي.
يغيب نظام القطبية العالمية فتتفلت الدول الصغرى: الأميركيون يرحلون عن المنطقة، والروس غاصوا في وحولها، ولم تجنِ الرياض عملياً أي ثمار سياسية دسمة لا في العراق ولا في سوريا أو اليمن، ولم تنجح ببتر الأيادي الإيرانية في أي ساحة.
كانت تدرك السعودية ان تنفيذ حكم الاعدام بحق النمر سيعرضها للانتقادات ويزيد من حجم التوترات المذهبية. ربما هذا ما تم التخطيط له لرصّ الصفوف وجمع المسلمين السنة خلف المملكة. ما يؤكد ذلك، التصلب السعودي العملي وقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران، مقابل تصعيد لفظي في طهران، وتفاوت فيها بتقدير الهجوم على السفارة السعودية في ظل موقفين هجومي للمرشد الاعلى واستيعابي لرئيس الجمهورية.
قد تكون المملكة اعتبرت ان سقف الازمة عال أساساً بعد طرح شعار "فليسقط آل سعود" منذ اشهر، وهو الوقت المناسب للتخلص نهائياً من شخصية قيادية معارضة -الشيخ النمر- يجتمع حولها شيعة شرق السعودية للمطالبة بالحرية او الانفصال عن المملكة.
تصعيد السعوديين شكل صدمة للعواصم القربية والبعيدة. كان يمكن الانتظار لوضع النمر على طاولة التسويات المطروحة.
هل هو الهروب الى الامام؟
في الأسابيع الماضية بانت بصورة أولية ملامح المنطقة: تدرج العراق في استعادة مناطقه من "داعش" بمؤازرة ضمنية أميركية-إيرانية. الامر نفسه يحلّ في سوريا بدفع روسي-إيراني. لم تحقق المملكة في اليمن ما تصبو اليه، وتمددت "القاعدة" بديلاً من حلفاء السعودية على مساحات واسعة. مصر اكتفت بالمراقبة وإعطاء الأولوية لتحسين وضعها الداخلي.
الرأي العام الدولي بدأ يميل الى اتهام الرياض برعاية فكر إسلامي مسؤول عن حضانة "التطرف"، يمكن رصد ذلك منذ ايام في صحف اوروبية، ثم جاءت صحيفة "هيرالد تربيون" الاميركية تعلن عن إستطلاع رأي أجرته في كل المناطق السورية أظهر تقدم الرئيس بشار الاسد. كان يوحي هذا الخبر والإحاطة الكاملة به بأن ثمة تبدلاً غربيا إزاء دمشق دشنه القرار الدولي وعدم الإصرار على الإطاحة بالأسد.
وجدت السعودية نفسها تردد شعاراتها من دون صدى، في وقت يجري فيه تقليم أظافرها، كما بدا في الإطاحة برجلها الاول زهران علوش في ريف دمشق، او إبعادها عن الحصص الإقليمية.
ماذا بعد التصعيد؟
الصورة قاتمة. قد يكون بدأ مشروع التقسيم يسلك طريقه. الشيخ النمر كان قد طالب سابقاً بضم المنطقة الشرقية السعودية الى البحرين لتأسيس دولة واحدة. ربما دخل مشروع التقسيم حيز التنفيذ فأقلق السعودية من عودة الرجل الأقوى تأثيرا بين شيعة المنطقة الشرقية الذين يشكلون ما بين 7 و10 في المئة من سكان المملكة.
لا مسار واضح للازمة: اما الدخول في حروب مفتوحة مباشرة قد تمتد لزمن طويل، واما الجلوس فوراً على الطاولة للتفاوض حول كل الملفات دفعة واحدة. لم يعد هناك من خيار ثالث.
في حال المضي بالحرب ستتخذ المعارك طابعاً وجودياً حول نظام وطريقة حكم ودستور سعودي، سيكونون في مرمى الخصوم، على الاقل كما أظهرت كلمة الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله.
في حالة الحرب ستتفكك المنطقة. هل يبقى الخليج صامداً في وجه تهديد عسكري بحري ايراني قبالة دوله؟ ماذا عن قدرات السعودية العسكرية بعد شرائها صواريخ بالستية قادرة ان تطال العمق الإيراني؟ انه توتر القرن.
خطوة السعودية بإعدام الشيخ النمر استهدفت كل من سعى لتقريب المسافات ببن الرياض وطهران وكل من يحاول فرض حلول تسووية. لكن في السياسة لا خصومة دائمة، رغم ان القطيعة بين الإيرانيين والسعوديين بلغت درجة خطرة.
ستضطر الرياض للتفاوض مع طهران والعكس في حال عدم الذهاب الى حرب مباشرة.
فماذا عن لبنان؟
مشروع التسوية مجمّد اساساً. لكن طبيعة النظام اللبناني وأوزان القوى السياسية والطائفية الموجودة فيه تفرض التسوية ولو بعد حين. لا يمكن حكم لبنان من دون شراكة. تلك الشراكة تفرض وجود "تيار المستقبل" بإعتباره ممثل السنة حتى الآن، الى جانب القوى الأخرى.
لكن ان ضربت الحرب لبنان في اطار الصراع الإيراني-السعودي المفتوح، لن تبقي تسوية ولا نظام ولا دولة ولا قوى. يدخل لبنان حينها الى المجهول. لا شيء مستبعد. كل الخيارات متاحة.